فصل: تفسير الآيات (41- 57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (41- 57):

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} قال: ماذا لهم وماذا أعد لهم؟
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وظل من يحموم} قال: من دخان أسود، وفي لفظ: من دخان جهنم.
وأخرج هناد وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {وظل من يحموم} قال: من دخان جهنم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {وظل من يحموم} قال: من دخان.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي مالك رضي الله عنه {وظل من يحموم} قال: الدخان.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه قال: النار سوداء وأهلها سود وكل شيء فيها أسود.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لا بارد ولا كريم} قال: لا بارد المنزل ولا كريم المنظر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين} قال: منعمين {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} قال: على الذنب العظيم.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي رضي الله عنه {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} قال: هي الكبائر.
وأخرج ابن عدي والشيرازي في الألقاب والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص وابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الواقعة {فشاربون شرب الهيم} بفتح الشين من شرب.
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {شرب الهيم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {شرب الهيم} قال: الإِبل العطاش.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عزوجل: {فشاربون شرب الهيم} قال: الإِبل يأخذها داء يقال له الهيم، فلا تروى من الماء، فشبه الله تعالى شرب أهل النار من الحميم بمنزلة الإِبل الهيم، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
أجزت إلى معارفها بشعب ** واطلاح من العبديّ هيم

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي مجلز رضي الله عنه {فشاربون شرب الهيم} قال: كان المراض تمص الماء مصّاً ولا تروى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {فشاربون شرب الهيم} قال: الإِبل المراض تمصّ الماء مصّاً ولا تروى.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {فشاربون شرب الهيم} قال: ضراب الإِبل دواب لا تروى.
وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فشاربون شرب الهيم} قال: هيام الأرض يعني الرمال.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: {الهيم} الإِبل العطاش.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {شرب الهيم} قال: الإِبل الهيم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه {شرب الهيم} قال: داء يأخذ فإذا أخذها لم ترو.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ {شرب الهيم} برفع الشين.

.تفسير الآيات (58- 74):

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)}
أخرج عبد الرزاق وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن حجر المرادي رضي الله عنه قال: كنت عند عليّ رضي الله عنه فسمعته وهو يصلي بالليل يقرأ فمر بهذه الآية {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} قال: بل أنت يا رب ثلاثاً ثم قرأ {أأنتم تزرعونه} قال: بل أنت يا رب ثلاثاً، ثم قرأ {أأنتم أنزلتموه من المزن} قال: بل أنت يا رب ثلاثاً، ثم قرأ {أأنتم أنشأتم شجرتها} قال: بل أنت يا رب ثلاثاً.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {نحن قدرنا بينكم الموت} قال: تقدير أن جعل أهل الأرض وأهل السماء فيه سواء شريفهم وضعيفهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {نحن قدرنا بينكم الموت} قال: المتأخر والمعجل وأي في قوله: {وننشئكم فيما لا تعلمون} قال: في خلق شئنا وفي قوله: {ولقد علمتم النشأة الأولى} إذ لم تكونوا شيئاً.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولقد علمتم النشأة الأولى} قال: خلق آدم عليه السلام.
وأخرج البزار وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم زرعت ولكن ليقل حرثت، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ألم تسمعوا الله يقول: {أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}».
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن رضي الله عنه أنه كره أن يقول: زرعت، ويقول: حرثت.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أأنتم تزرعونه} قال: تنبتونه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فظلتم تفكهون} قال: تعجبون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه {فظلتم تفكهون} قال: تندمون.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إنا لمغرمون} قال: ملقون للشر {بل نحن محرومون} قال: محدودون، وفي قوله: {أأنتم أنزلتموه من المزن} قال: السحاب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {أأنتم أنزلتموه من المزن} قال: السحاب.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وقتادة رضي الله عنهما مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب الماء قال: الحمد لله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا».
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {نحن جعلناها تذكرة} قال: هذه لنا تذكرة للنار الكبرى {ومتاعاً للمقوين} قال: للمستمتعين الناس أجمعين وفي لفظ للحاضر والبادي.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما {نحن جعلناها تذكرة} قال: تذكرة للنار الكبرى {ومتاعاً للمقوين} قال: للمسافرين.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {نحن جعلناها تذكرة} قال: تذكرة للنار الكبرى {ومتاعاً للمقوين} قال: للمسافرين، كم من قوم قد سافروا ثم أرملوا فأحجبوا ناراً فاستدفؤوا بها، وانتفعوا بها.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {ومتاعاً للمقوين} قال: للمسافرين.
وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا عباد الله فضل الله الماء ولا كلأ ولا ناراً، فإن الله تعالى جعلها متاعاً للمقوين وقوة للمستضعفين، ولفظ ابن عساكر وقواماً للمستمتعين».

.تفسير الآيات (75- 85):

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)}
أخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ {فلا أقسم} ممدودة مرفوعة الألف {بمواقع النجوم} على الجماع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} على الجماع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: نجوم السماء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: بمساقطها، قال: وقال الحسن رضي الله عنه: مواقع النجوم انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: بمغايبها.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: بمنازل النجوم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: القرآن {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} قال: القرآن.
وأخرج النسائي وابن جرير ومحمد بن نصر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين، وفي لفظ: ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوماً، ثم قرأ {فلا أقسم بمواقع النجوم}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {فلا أقسم بمواقع النجوم} بألف، قال: نجوم القرآن حين ينزل.
وأخرج ابن المنذر وابن الأنباري في كتاب المصاحف وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم أنزل إلى الأرض نجوماً ثلاث آيات وخمس آيات وأقل وأكثر، فقال: {فلا أقسم بمواقع النجوم}.
وأخرج الفريابي بسند صحيح عن المنهال بن عمرو رضي الله عنه قال: قرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: بمحكم القرآن، فكان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوماً.
وأخرج ابن نصر وابن الضريس عن مجاهد رضي الله عنه {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: بمحكم القرآن.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: مستقر الكتاب أوله وآخره.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله: {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون} قال: القرآن الكريم، والكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ {لا يمسه إلا المطهرون} قال: الملائكة عليهم السلام هم المطهرون من الذنوب.
وأخرج آدم ابن أبي إياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في المعرفة عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون} قال: القرآن في كتابه والمكنون الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار {لا يمسه إلا المطهرون} قال: الملائكة عليهم السلام.
وأخرج عبد حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {في كتاب مكنون} قال: التوراة والإِنجيل {لا يمسه إلا المطهرون} قال: حملة التوراة والإِنجيل.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: {ما يمسه إلا المطهرون}.
وأخرج آدم وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في المعرفة من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما {لا يمسه إلا المطهرون} قال: الكتاب المنزل في السماء لا يمسه إلا الملائكة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أنس رضي الله عنه {لا يمسه إلا المطهرون} قال: الملائكة عليهم السلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {لا يمسه إلا المطهرون} قال: ذاكم عند رب العالمين {لا يمسه إلا المطهرون} من الملائكة فاما عندكم فيمسه المشرك والنجس والمنافق الرجس.
وأخرج ابن مردويه بسند رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون} قال: عند الله في صحف مطهرة {لا يمسه إلا المطهرون} قال: المقربون.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن علقمة رضي الله عنه قال: أتينا سلمان الفارسي رضي الله عنه فخرج علينا من كن له فقلنا له: لو توضأت يا أبا عبدالله ثم قرأت علينا سورة كذا وكذا قال: إنما قال الله: {في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} وهو الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة عليهم السلام، ثم قرأ علينا من القرآن ما شئنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {في كتاب مكنون} قال: في السماء {لا يمسه إلا المطهرون} قال: الملائكة عليهم السلام.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله: {لا يمسه إلا المطهرون} قال: الملائكة عليهم السلام ليس أنتم يا أصحاب الذنوب.
وأخرج ابن المنذر عن النعيمي رضي الله عنه قال: قال مالك رضي الله عنه: أحسن ما سمعت في هذه الآية {لا يمسه إلا المطهرون} أنها بمنزلة الآية التي في عبس {في صحف مكرمة} [ عبس: 13] إلى قوله: {كرام بررة} [ عبس: 16].
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يمس المصحف إلا متوضئاً.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود وابن المنذر عن عبدالله بن أبي بكر عن أبيه قال: «في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: لا تمس القرآن إلا على طهور».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن زيد قال: كنا مع سلمان فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا، فخرج إلينا فقلنا: لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن، فقال: سلوني فإني لست أمسّه إنما يمسه المطهرون، ثم تلا {لا يمسه إلا المطهرون}.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر».
وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن كتب له في عهده «أن لا يمس القرآن إلا طاهر».
وأخرج ابن مردويه عن ابن حزم الأنصاري عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه: «لا يمس القرآن إلا طاهر».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} قال: مكذبون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} قال: تريدون أن تمالئوا فيه وتركنوا إليهم.
قوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.
أخرج مسلم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم} حتى بلغ {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}».
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: يعني الأنواء وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافرًا وكانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله تعالى {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: «بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر في حر شديد، فنزل الناس على غير ماء فعطشوا، فاستسقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: فلعلّي لو فعلت فسقيتم قلتم هذا بنوء كذا وكذا»، قالوا: يا نبيّ الله ما هذا بحين أنواء، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ ثم قام فصلى، فدعا الله تعالى، فهاجت ريح وثاب سحاب، فمطروا، حتى سال كل واد، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يغرف بقدحه ويقول: هذا نوء فلان، فنزل {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حزرة رضي الله عنه قال: نزلت الآية في رجل من الأنصار في غزوة تبوك، ونزلوا بالحجر فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحملوا من مائها شيئاً ثم ارتحل ثم نزل منزلاً آخر، وليس معهم ماء، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يصلي ركعتين، ثم دعا فأرسل سحابة فأمطرت عليهم حتى استقوا منها، فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه يتهم بالنفاق: ويحك قد ترى ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأمطر الله علينا السماء فقال: إنما مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.
وأخرج أحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوي الأخلاق وابن مردويه والضياء في المختارة عن عليّ رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا».
وأخرج ابن جرير عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما مطر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين، ثم قال: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} يقول قائل: مطرنا بنجم كذا وكذا».
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها قالت: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا هذه رحمة وضعها الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم} حتى بلغ {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}».
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: يعني الأنواء، وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافراً، وكانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.
وأخرج ابن مردويه قال: «ما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن إلا آيات يسيرة قوله: {وتجعلون رزقكم} قال: شكركم».
وأخرج ابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {وتجعلون شكركم}.
وأخرج ابن مردويه عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال: قرأ عليّ رضي الله عنه الواقعات في الفجر، فقال: {وتجعلون شكركم أنكم تكذبون} فلما انصرف قال: إني قد عرفت أنه سيقول قائل: لم قرأها هكذا؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كذلك، كانوا إذا مطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله {وتجعلون شكركم أنكم إذ مطرتم تكذبون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي عبد الرحمن رضي الله عنه قال: كان عليّ رضي الله عنه يقرأ {وتجعلون شكركم أنكم تكذبون}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} فقال: أما الحسن فقال: بئس ما أخذ القوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب، قال: وذكر لنا أن الناس أمحلوا على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا نبي الله: لو استسقيت لنا؟ فقال: عسى قوم إن سقوا أن يقولوا سقينا بنوء كذا وكذا، فاستسقى نبي الله، فمطروا، فقال رجل: إنه قد كان بقي من الأنواء كذا وكذا، فأنزل الله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: قولهم: في الأنواء مطرنا بنوء كذا وكذا، فيقول: قولوا: هو من عند الله تعالى وهو رزقه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: الاستسقاء بالأنواء.
وأخرج عبد بن حميد عن عوف عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: تجعلون حظكم منه أنكم تكذبون، قال عوف رضي الله عنه: وبلغني أن مشركي العرب كانوا إذا مطروا في الجاهلية قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدارمي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أمسك الله المطر عن الناس ثم أرسله لأصبحت طائفة كافرين، قالوا: هذا بنوء الذبح يعني الدبران».
وأخرج مالك وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن زيد بن خالد الجهني قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح زمن الحديبية في أثر سماء، فلما أقبل علينا فقال: ألم تسمعوا ما قال ربكم في هذه الآية: ما أنعمت على عبادي نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين. فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي، وكفر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك الذي آمن بالكوكب وكفر بي».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنه يقول: إن الذين يقولون نسقى بنجم كذا وكذا فقد كفر بالله وآمن بذلك النجم، والذين يقولون سقانا الله فقد آمن بالله وكفر بذلك النجم».
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن محيريز أن سليمان بن عبد الملك دعاه فقال: لو تعلمت علم النجوم فازددت إلى علمك، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث: حيف الأئمة وتكذيب بالقدر وإيمان بالنجوم».
وأخرج عبد بن حميد عن رجاء بن حيوة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم والتكذيب بالقدر وظلم الأئمة».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن جابر السوائي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أخاف على أمتي ثلاثاً استسقاء بالأنواء وحيف السلطان وتكذيباً بالقدر».
وأخرج أحمد عن معاوية الليثي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون الناس مجدبين، فينزل الله عليهم رزقاً من رزقه فيصبحون مشركين، قيل له: كيف ذاك يا رسول الله؟ قال: يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا».
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وتجعلون شكركم} يقول: على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وكان ذلك منهم كفراً بما أنعم الله عليهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافراً يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما {وتجعلون شكركم أنكم تكذبون}.
وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: كان ناس يمطرون فيقولون مطرنا بنوء كذا وكذا.
قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} الآيات.
أخرج ابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى تنقطع معرفة العبد من الناس قال: إذا عاين».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: احضروا موتاكم وذكروهم فإنهم يرون ما لا ترون.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو بكر المروزي في كتاب الجنائز عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله فإنهم يرون ويقال لهم.
وأخرج سعيد بن منصور والمروزي عن عمر رضي الله عنه قال: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، واعقلوا ما تسمعون من المطيعين منكم، فإنه يجلي لهم أمور صادقة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وأبو يعلى من طريق أبي يزيد الرقاشي عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله لملك الموت: انطلق إلى وليي فائتني به فإني قد جربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب، فائتني به لأريحه من هموم الدنيا وغمومها. فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة معهم أكفان وحنوط من حنوط الجنة ومعهم ضبائر الريحان، أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لوناً، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر، فيجلس ملك الموت عند رأسه، وتحتوشه الملائكة ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر تحت ذقنه، ويفتح له باب إلى الجنة، فإن نفسه لتعلل عنده ذلك بطرف الجنة مرة بأزواجها ومرة بكسوتها ومرة بثمارها، كما يعلل الصبيّ أهله إذا بكى، وإن أزواجه ليبتهشن عند ذلك ابتهاشاً، وتنزو الروح نزواً، ويقول ملك الموت: أخرجي أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود وطلح ممدود وماء مسكوب، وملك الموت أشد تلطفاً به من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيب إلى ربه، كريم على الله فهو يلتمس بلطفه تلك الروح رضا الله عنه، فسلّ روحه كما تسل الشعرة من العجين، وإن روحه لتخرج والملائكة حوله يقولون: {سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [ النحل: 32] وذلك قوله: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم} [ النحل: 32] قال: فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم، قال: روح من جهد الموت وروح يؤتى به عند خروج نفسه وجنة نعيم أمامه. فإذا قبض ملك الموت روحه يقول الروح للجسد: لقد كنت بي سريعاً إلى طاعة الله بطيئاً عن معصيته، فهنيئاً لك اليوم فقد نجوت وأنجيت، ويقول الجسد للروح: مثل ذلك، وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله عليها، كل باب من السماء كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه أربعين ليلة، فإذا اقبضت الملائكة روحه أقامت الخمسمائة ملك عند جسده لا يقلبه بنو آدم لشق إلا قلبته الملائكة عليهم السلام قبلهم، وعلته بأكفان قبل أكفانهم وحنوط قبل حنوطهم، ويقوم من باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار، ويصيح إبليس عند ذلك صيحة يتصرع منها بعض أعظام جسده، ويقول لجنوده: الوليل لكم كيف خلص هذا العبد منكم؟ فيقولون: إن هذا كان معصوماً. فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة كلهم يأتيه من ربه، فإذا انتهى ملك الموت إلى العرش خرت الورح ساجدة لربها، فيقول الله لملك الموت: انطلق بروح عبدي فضعه {في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب} [ الواقعة: 28] فإذا وضع في قبره جاءت الصلاة فكانت عن يمينه، وجاء الصيام فكان عن يساره، وجاء القرآن والذكر فكانا عند رأسه، وجاء مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاء الصبر فكان ناحية القبر، ويبعث الله عتقاً من العذاب فيأتيه عن يمينه، فتقول الصلاة: وراءك والله ما زال دائباً عمره كله وإنما استراح الآن حين وضع في قبره، فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك.، فيأتيه من قبل رأسه فيقول له مثل ذلك، فلا يأتيه العذاب من ناحية فيلتمس هل يجد لها مساغاً إلا وجد ولي الله قد أحرزته الطاعة، فيخرج عنه العذاب عندما يرى، ويقول الصبر لسائر الأعمال: أما إنه لم يمنعني أن أباشره بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم، فلو عجزتم كنت أنا صاحبه، فأما إذا أجزأتم عنه فأنا ذخر له عند الصراط وذخر له عند الميزان، ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب يطآن في أشعارهما بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة إلا بالمؤمنين، يقال لهما: منكر ونكير، وفي يد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع عليها الثقلان لم يقلوها. فيقولان له: اجلس فيستوي جالساً في قبره فتسقط أكفانه في حقويه. فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، والإِسلام ديني، ومحمد نبي، وهو خاتم النبيين. فيقولان له: صدقت، فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره ومن قبل رأسه ومن قبل رجليه، ثم يقولان له: أنظر فوقك، فينظر، فإذا هو مفتوح إلى الجنة، فيقولان له: هذا منزلك يا وليّ الله، لم أطعت الله فوالذي نفس محمد بيده إنه لتصل إلى قلبه فرحة لا ترتد أبداً، فيقال له: أنظر تحتك فينظر تحته فإذا هو مفتوح إلى النار، فيقولان: يا ولي الله نجوت من هذا فوالذي نفسي بيده إنه لتصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً، ويفتح له سبعة وسبعون باباً إلى الجنة يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله تعالى من قبره إلى الجنة وأما الكافر فيقول الله لملك الموت: ويفتح الله لملك الموت انطلق إلى عبدي فائتني به فإني قد بسطت له رزقي وسربلته نعمتي فأبى إلا معصيتي فأئتني به لأنتقم منه اليوم، فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة رآها أحد من الناس قط، له اثنتا عشرة عيناً ومعه سفود من النار كثير الشوك، ومعه خمسمائة من الملائكة معهم نحاس وجمر من جمر جهنم، ومعهم سياط من النار تأجج فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربة يغيب أصل كل شوكة من ذلك السفود في أصل كل شعرة وعرق من عروقه، ثم يلويه ليّاً شديداً، فينزع روحه من أظفار قدميه، فيلقيها في عقبيه، فيسكر عدوّ الله عند ذلك سكرة وتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، ثم كذلك إلى حقويه، ثم كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه، ثم تبسط الملائكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه، ثم يقول ملك الموت: أخرجي أيتها النفس اللعينة الملعونة إلى {سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم} [ الواقعة: 43] فإذا قبض ملك الموت روحه قالت الروح للجسد: جزاك الله عني شرّاً فقد كنت بي سريعاً إلى معصية الله بطيئاً بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت، ويقول الجسد للروح مثل ذلك، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله تعالى عليها، وتنطلق جنود إبليس إليه يبشرونه بأنهم قد أوردوا عبداً من بني آدم النار، فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فتدخل اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى ويبعث الله إليه حيات دهماء تأخذ بأرنبته وإبهام قدميه، فتغوصه حتى تلتقي في وسطه، ويبعث الله إليه الملكين فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدري فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيضربانه ضربة يتطاير الشرار في قبره، ثم يعود، فيقولان له: انظر فوقك، فينظر، فإذا باب مفتوح إلى الجنة فيقولان له عدو الله لو كنت أطعت الله تعالى، هذا منزلك فوالذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه حسرة لا ترتد أبداً، ويفتح له باب إلى النار، فيقال: عدوّ الله هذا منزلك لما عصيت الله، ويفتح له سبعة وسبعون باباً إلى النار يأتيه حرها وسمومها حتى يبعثه من قبره يوم القيامة إلى النار».